من هي تلك الفتاة؟

من هي تلك الفتاة؟

Rating 0 out of 5.
0 reviews

.
لم أكن أؤمن بالقصص الغامضة أو بالحكايات التي تتحدث عن الأرواح، وكنت دائمًا أرى تلك الأشياء مجرد خرافات تُحكى لتخويف الأطفال. لكن كل شيء تغيّر في تلك الليلة. كانت الساعة تقترب من الثانية بعد منتصف الليل، والهدوء يغمر المكان بالكامل، لا يُسمع سوى صوت عقارب الساعة وهي تمرّ بثوانٍ بطيئة وثقيلة. كنت جالسًا في غرفتي أقلب بعض الأوراق المتراكمة، محاولًا إنهاء ما تبقّى من العمل، عندما التقطت أذني صوت خطوات خفيفة في الممر.

في البداية ظننت أنّ التعب بدأ يؤثر على حواسي، لكن الخطوات استمرت ببطء واضح… خطوة… ثم خطوة… حتى توقفت تمامًا عند باب غرفتي. أحسست بتجمّد ما في داخلي، ورفعت رأسي ببطء دون أن أملك تفسيرًا لما أفعل.

وهناك… كانت تقف.

فتاة صغيرة، لا يزيد عمرها عن عشر سنوات، ترتدي فستانًا أبيض يبدو كأنه قديم ومتسخ. شعرها الأسود الطويل كان ملتصقًا بوجهها بطريقة غريبة كما لو أنها خرجت من تحت المطر قبل لحظات. لم تقل شيئًا، بل وقفت بصمت تام وهي تحدّق بي بعينين رماديتين يلمع فيهما شيء لا يمكن تفسيره. حاولت أن أتكلم، أن أسألها من تكون، لكن لساني جفّ في فمي. قبل أن أطلق أي كلمة… اختفت كما ظهرت، في لحظة واحدة.

في صباح اليوم التالي، لم أستطع نسيان ما رأيته. ملامحها ظلّت تلاحقني طوال الوقت حتى وأنا أحاول إقناع نفسي بأنها مجرد هلوسة. بعد تردد طويل، قررت أن أبحث عن إجابة أكثر وضوحًا، وبدأت أسأل الجيران إذا كانوا يعرفون شيئًا عن فتاة صغيرة تعيش في الطابق العلوي، خاصة أن الشقة الموجودة هناك لا تبدو مأهولة.

الجميع أكدوا أن تلك الشقة مهجورة منذ سنوات طويلة، لكن ما لفت انتباهي أن بعضهم تردّد قبل الإجابة وكأنه يخفي شيئًا. بعد قليل اقتربت مني امرأة مسنّة كانت تقف بالقرب من السلم، وهمست بصوت منخفض وكأنها تخشى أن يسمعها أحد:
“آخر من عاش في تلك الشقة كانت طفلة… لكنها غرقت في البئر خلف المبنى منذ زمن بعيد”.

عدت إلى شقتي وأنا أشعر بوخزة غريبة في صدري. لم أكن أصدق ما قالته، لكن هناك جزءًا صغيرًا بداخلي بدأ يتساءل إن كانت تلك الفتاة التي رأيتها هي نفس الطفلة التي تحدثوا عنها. قضيت بقية اليوم أبحث في أرشيف الحي على الإنترنت، ووجدت خبرًا قديمًا جدًا يتحدث عن حادثة وفاة طفلة تُدعى “ر.م” غرقت في بئر قديم خلف البناء وأن جثتها لم يُعثَر عليها أبدًا. لا أعرف لماذا، لكنني شعرت بقشعريرة قوية عندما نظرت إلى صورتها في ذلك الخبر… كانت تشبه تمامًا تلك الفتاة التي ظهرت أمامي.

في تلك الليلة حاولت أن أبعد الأمر عن رأسي، أقنعت نفسي أن كل ما حدث هو مجرد مصادفة. لكن مع اقتراب الساعة من الثانية بعد منتصف الليل، توقفت عقارب الساعة وكأنها تنبّهني. دقائق قليلة بعد ذلك، عاد صوت الخطوات من جديد. نفس الإيقاع… نفس التوقّف أمام بابي.

لكن هذه المرة، لم يكن هناك صمت فقط. سمعت صوت همسات، ضعيفة جدًا، لكن واضحة… كانت تنادي اسمي.
رفعت رأسي ببطء شديد، ووجدتها واقفة مرة أخرى. نفس الفستان… نفس الشعر المبلل… ولكن هذه المرة كانت الابتسامة ترتسم على وجهها. لم تكن ابتسامة عادية. كانت تحمل شيئًا غامضًا، كأنها تعرف أكثر مما يجب.

لم أتحرك، اكتفيت بمراقبتها دون أن أعرف هل يجب أن أخاف… أم أشعر بالشفقة.
في تلك اللحظة، شعرت بشيء غريب يحدث حولي… الهواء أصبح أكثر برودة، والضوء داخل الغرفة صار باهتًا وكأن شيئًا آخر يقترب.

حتى الآن، لا أعلم إذا كانت تلك الفتاة تحتاج إلى المساعدة… أم أنها تحاول سحبي إلى مكان لا أستطيع العودة منه.
لكن ما أعلمه جيدًا هو أنّ ما رأيته حقيقي تمامًا.

والمقلق أنني هذه الليلة…
سمعت صوتها أقرب من أي وقت مضى.

 

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

2

followings

1

followings

0

similar articles
-